01 يوليو 2012

اليــوم الســابع

كثرة الأمراء سوء كفى سيد واحد..ملك واحد..العبودية المختارة لابويسيه

المقتطف الأهم من المقالة..لاسقاطها على أوضاعنا الحالية.

ولكني لكي أعود الى موضوعي الذي لا أدري كيف أفلت مني خيطه، ألحظ أن الطغاة كانوا يسعون دائما كيما يستتب سلطانهم، الى تعويد الناس على أن يدينوا لهم لا بالطاعة والعبودية فحسب، بل بالاخلاص كذلك. فكل ما ذكرته حتى الآن عن الوسائل التي يصطنعها الطغاة ليعلّموا الناس كيف يخدمونهم طواعية إنما ينطبق على الكثرة الساذجة من الشعب. إني أقترب الآن من نقطة هي التي يكمن فيها على ما أعتقد مفتاح السيادة وسرها، وفيها أيضا يكمن أساس الطغيان وعماده.

إن من يظن أن الرمّاحة والحرس وأبراج المراقبة تحمي الطغاة يخطيء في رأيي خطأ كبيرا. ففي يقيني أنهم يعمدون اليها مظهرا وإثارة للفزع لا إرتكازا عليها. فالقوّاسة تصد من لا حول لهم ولا قوة على إقتحام القصر، ولكنها لا تصد المسلحين القادرين على بعض العزم. ثم إن من السهل أن نتحقق أن أباطرة الرومان الذين حماهم قوّاسوهم يقلون عددا عمن قتل حراسهم، فلا جموع الخيّالة، ولا فرق المشاة ولا قوة الأسلحة، تحمي الطغاة. الأمر يصعب على التصديق للوهلة الأولى، ولكنه الحق عينه، هم دوما أربعة أو خمسة يبقون الطاغية في مكانه، أربعة أو خمسة يشدّون له البلد كله الى مقود العبودية، في كل عهد كان ثمة أربعة أو خمسة تصيخ اليهم أذن الطاغية، يتقرّبون منه أو يقرّبهم اليه ليكونوا شركاء جرائمه، وخُلاّن ملذاته، وقواد شهواته، ومقاسميه فيما نهب.

هؤلاء الستة يدرّبون رئيسهم على القسوة نحو المجتمع، لا بشروره وحدها، بل بشروره وشرورهم. هؤلاء الستة ينتفع في كنفهم ستمائة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية، ثم هؤلاء الستمائة يذيلهم ستة آلاف تابع، يوكلون اليهم مناصب الدولة ويهبونهم إما حكم الأقاليم، وإما التصرّف في الأموال، ليشرفوا على بخلهم وقساوتهم، وليطيّحوهم بهم متى شاؤوا، تاركين إيّاهم يرتكبون من السيئات ما لا يجعل لهم بقاء إلاّ في ظلّهم، ولا بعدا عن طائلة القوانين وعقوباتها إلاّ عن طريقهم. ما أطول سلسلة الأتباع بعد ذلك!. إن من أراد التسلّي بأن يتقصّى هذه الشبكة وسعَهُ أن يرى لا ستة آلاف، ولا مئة ألف، بل أن يرى الملايين يربطهم بالطاغية هذا الحبل، مثل جوبيتر، إذ جعله هوميروس يتفاخر بأنه لو شد سلسلته لجذب اليه الآلهة جميعا. من هنا تضخّم مجلس الشيوخ في عهد يوليوس، وجاء خلق المناصب الجديدة، وفتح باب التعيينات والترقيات على مصراعيه، كل هذا يقينا لا من أجل إصلاح العدالة، بل أولا وأخيرا من أجل أن تزيد سواعد الطاغية.

 خلاصة القول إذن، هي أن الطغاة تُجنى من ورائهم حظوات، وتجنى مغانم ومكاسب، فإذا بالذين ربحوا من الطغيان، أو هكذا هُيِّىء اليهم، يعدلون في النهاية من يؤثرون الحرية. فكما يقول الأطباء ؛ إن جسدنا لا يفسد جزء منه إلاّ إنِ آنجذبت أمزجته الى هذا الجزء الفاسد، من دون غيره، كذلك ما إن يعلن ملك عن إستبداده بالحكم إلاّ إلتفّ حوله كل أسقاط المملكة وحُثالاتها، وما أعني بذلك حشد صغار اللصوص والموصومين الذين لا يملكون لبلد نفعا، ولا ضرا، بل أولئك الذين يدفعهم طموح حارق وبخل شديد، يلتفون حوله ويعضدونه لينالوا نصيبهم من الغنيمة، وليصيروا هم أنفسهم طغاة مصغّرين في ظل الطاغية الكبير!.

 هكذا يستعبد الطاغية رعاياه بعضهم ببعض، يحرسه من كان أولى بهم الاحتراس منه لو كانوا يساوون شيئا، وهكذا يصدق المثل: لا يفلأّ الخشب إلاّ مسمار من الخشب ذاته. 

 لكنهم يريدون العبودية ليجنوا من ورائها الأملاك: كما لو كان في مستطاعهم أن يغنموا شيئاً بينا هم لا يستطيعون أن يقولوا إنهم يملكون أنفسهم. يودون لو حازوا الأشياء، لو كأن للحيازة متسع في ظل الطاغية ويتناسون أنهم هم الذين أعطوه القوة على أن يسلب الجميع كل شيء دون أن يترك لأحد شيئاً يمكن القول إنه له.إنهم يرون أنه ما من شيء يعرض الناس لقسوته مثل الخير، وأنه لا جريمة نحوه تستحق الموت في نظره كحيازة ما يستقل به المرء عنه.

 إنهم يرون أنه لا يحب إلا الثروات ولا يكسر إلا الأثرياء. وهم مع هذا يسعون إليه سعيهم إلى الجزار كي يمثلوا بين يديه ملأى مكتنزين ولكي يستثيروا جشعه. هؤلاء المقربون قد كان أولى بهم ألا يتذكروا من غنموا من الطغاة كثيراً بل أولئك الذين بعد أن كدسوا المغانم بعض الوقت خسروا المغانم والحياة جميعاً، كان أولى بهم أن يتعظوا لا بالكثرة التي أثرت بل بالقلة التي استطاعت الاحتفاظ بما كسبت


تحميل الكتاب الرابط هنا

 وعلى كثر العدد الغفير من الشعب لم يجد الطاغية من يقول يقول ما قاله الثعلب، على ماورد فى الحكاية ،للأسد الذى اصطنع المرض:
كنت أزورك طواعية فى عرينك لولا أنى أرى وحوشاً كثيرة تتجه آثارها قدماً إليك وما أرى أثراً يعود"

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جحا يحكم المدينة