وذكر عن محمد بن راشد أن
إبراهيم بن المهدي أخبره أنه كان نازلاً مع محمد المخلوع في مدينة المنصور في قصره
بباب الذهب، لما حصره طاهر. قال: فخرج ذات ليلة من القصر يريد أن يتفرج من الضيق الذي
هو فيه، فصار إلى قصر القرار - في قرن الصراة - أسفل من قصر الخلد - في جوف الليل،
ثم أرسل إلي فصرت إليه، فقال: يا إبراهيم، أما ترى طيب هذه الليلة، وحسن القمر في السماء،
وضوءه في الماء! ونحن حينئذٍ في شاطئ دجلة، فهل لك في الشرب! فقلت: شأنك، جعلني الله
فداك! فدعا برطل نبيذ فشربه، ثم أمر فسقيت مثله. قال: فابتدأت أغنيه من غير أن يسألني؛
لعلمي بسوء خلقه، فغنيت ما كنت أعلم أنه يحبه، فقال لي: ما تقول فيمن يضرب عليك؟ فقلت:
ما أحوجني إلى ذلك؛ فدعا بجارية اسمها صعب متقدمة عنده يقال لها ضعف، فتطيرت
من اسمها؛ ونحن في تلك الحال التي هو عليها، فلما صارت بين يديه، قال: تغني.
فغنت بشعر النابغة الجعدي:
كليب لعمري كان
أكثر ناصراً ... وأيسر ذنباً منك ضرج بالدم
قال: فاشتد ما غنت به عليه
وتطير منه، وقال لها: عن غير هذا فتغنت:
أبكي فراقهم
عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو
عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء
فقال لها: لعنك الله! أما
تعرفين من الغناء شيئاً غير هذا! قالت: يا سيدي، ما تغنيت إلا بما ظننت أنك تحبه؛ وما
أردت ما تكرهه؛ وما هو إلا شيء جاءني. ثم أخت في غناء آخر:
أما ورب السكون
والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل
والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم
من ملك ... عان بحب الدنيا بلا ملك
وملك ذي العرش
دائم أبداً ... ليس بفانٍ ولا مشترك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جحا يحكم المدينة